يواصل مسلسل “فتح الأندلس”، للمخرج الكويتي محمد العنزي، الذي يعرض خلال شهر رمضان الحالي، على مجموعة من القنوات التلفزيونية العربية، منها الأولى المغربية، إثارة الجدل، بسبب ما اعتبر تزويرا للوقائع التاريخية، حيث وصل الأمر إلى حدّ تقدم أحد النشطاء، بشكاية ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
وتوجه رشيد بوهدوز، الفاعل المدني والسياسي، بشكاية ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بسبب تزوير المسلسل المذكور، الذي يعرض خلال شهر رمضان، للوقائع التاريخية، ومساسه بالوحدة الترابية والوطنية للمملكة، وتضمنه لأحداث مخالفة لما هو مسجل في أغلب الكتب التي أرخت لتلك الفترة الزمنية، إضافة إلى الإساءة للمغاربة، من خلال تصويرهم على أنهم أناس من دون ثقافة ولا لباس.
المساس بالوحدة الترابية والوطنية للمغرب
وأكدت الحجج المقدمة مع الشكاية التي حررها، المحامي بهيئة الرباط، محمد ألمو، نيابة عن بوهدوز، والتي من المنتظر أن تسلم إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالعاصمة، صباح يوم غد الإثنين، أن المسلسل، “قدم مدينة سبتة على أنها مدينة إسبانية بحاكم إسباني”، مضيفةً أن “الحقيقة أن الملك أليان الغماري، ملك مغربي”.
وشدد المشتكي، على أن “المساس بالامتداد التاريخي للوحدة الوطنية، حيث إن الشعب المغربي يعتبر سبتة مدينة مغربية، فيما يقدم السلسل، محتوى يسوق لدى المشاهد المغربي، لمعطيات تاريخية مغلوطة، وتحريف هوية وجنسية حاكمها إليان الغماري”.
تزوير أصول يوليان ملك سبتة
ونبه المصدر، إلى أن الملك “يوليان، ملك سبتة المغربية حوالي 700 سنة، هو ملك أمازيغي موري مغربي حسب المصادر (ابن عذاري المراكشي)، واسمه الحقيقي أولبان، من قبيلة غمارة التي هي فرع من قبيلة مصمودة الأمازيغية”، متابعاً أن هاته “الشخصية ليست إسبانيا كما يدعي صانعو المسلسل، بل مغربية تنتمي لقبيلة غمارة المتواجدة غرب الريف”.
واسترسل أن تقديم “سبتة كمدينة إسبانية، هو مس بالوحدة الترابية وإضفاء مشروعية تاريخية على التواجد الإسباني بهذا الثغر المحتل”، مردفاً أن المسلسل أغفل “هوية طارق بن زياد، وتم تصويره كشخص أجنبي في طنجة، وأنه بحاجة لمساعدة المشارقة للتفاهم مع أهل طنجة، وأنه ليس مغربيا، كما جرى تقديمه كمولى وتابع لموسى بن نصير وليس حاكما للمنطقة”.
طارق ابن زياد.. مغربي جعله المسلسل مشرقيا
هذا، ويؤكد المصدر، أن المسلسل، صور على أن اختيار طارق، كان اعتباطيا “وليس لكونه فرض نفسه كونه زعيم أمازيغي وحاكم للمنطقة قبل دخول موسى لها”، مبرزاً أن “طارق المغربي الموري الأمازيغي بالوثائق والمستندات الإيبيرية منذ القرن الرابع عشر، والتي تصفه بدقة متناهية بابن أمير المؤمنين وابن ملك المغرب”.
وعزز المصدر تعليله، بوثائق تاريخية، من بينها منمنمنة أوروبية، من كتاب “بورتريهات الملوك”، الذي يعود تاريخ كتابته إلى القرن الرابع عشر الميلادي، بعنوان: “دون رودريجو آخر ملوك مملكة القوط الغربية (711-671)، وطارق ابن رئيس المور”، متابعاً أن الكتاب متواجد بالمكتبة الإسبانية الوطنية بالعاصمة مدريد.
وثائق تاريخية تكشف أخطاء المسلسل
ومن خلال الوثيقة، يتابع المصدر، “نستشف بأن طارق بن زياد، يظهر بمثابة قائد كبير، بل حتى بمرتبة ملك، لتساويه بعرش رودريغو القوطي على المنضدة، كما يلاحظ أيضا تعابير رودريغو، الحزينة وقلة الحيلة البادية عليه، في حين يظهر طارق وكأنه يقدم حلا وبطريقة جريئة ممسكا سيفه باستعلاء كتفه على الكرسي”.
المنمنمة تضم نصا باللغة الإسبانية، وفق المصدر، جاء فيه أن الكونط يوليان حاكم سبتة، طلب من طارق مساعدته في استرجاع ابنته التي اغتصبت في بلاط رودريغو مقابل مساعدته على الاستيلاء على الأندلس، كما تضم الوثيقة ذاتها، عبارة أمير المؤمنين وعبارة ملك المغرب، ونجد أيضا عبارة أخرى تعني القائد الأعلى لجيش المغاربة، مع ذكر مدينة طريفة.
المؤرخون يجزمون بمغربية طارق ابن زياد
وأشار المصدر، إلى أن العلماء الغربيين والإسبان منهم بشكا خاص، يجزمون بمغربية طارق ابن زياد، استنادا إلى القرائن الأركيولوجية التي لا تماهي معها، “بل وعلى أنه نجل ملك المغرب بدون أي تبعية معينة للأمويين أو موسى بن نصير كما بالنحليات المتأخرة”، مستدلا بمنمنة قشتالية أخرى تعود للقرن 11، ورد فيها: “زعيم إلإريقية طارق أمير المؤمنين، ملك المغرب، ووصوله مع جيش عظيم من المغاربة لطريفة”.
وزاد المصدر في إيراد الوثائق التاريخية وأقوال مجموعة من المؤرخين، التي تتؤكد أن طارق مغربي، من بينها ما أوضحه المؤخر مختار العبادي، الذي قال إن “الرأي الغالب لدى المؤرخين وهو أن طارق بن زياد مغربي من قبيلة نفزة البربرية بدليل أن معظم جنوده من البربر”، كما قال المؤرخ أبو بكر الصديق الشريف: “حيث اجتاح طارق بن زياد المغربي المضيق الذي يعرف باسمه منذ 711 وإلى يومنا هذا”.
تقديم المغاربة بشكل “مهين وساذج” وتشويه تاريخ العمارة واللباس
هذا، وتشدد الشكاية على أن المسلسل، عمل على تقديم الشخصيات المغربية بشكل مهين وساذج، حيث تم “تصوير المغاربة كأنهم عبيد تائهون ينتظرون موسى وأتباعه ليلقنوهم الحضارة والأخلاق، وهذا إضعاف للروح الوطنية وضرب في التاريخ المغربي العريق”، وتم تصويرهم أيضا كـ”تابعين وفقط، وأنهم لا يملكون أي إرادة وأن دخول الأندلس كان بتخطيط وأوامر من المشرق”.
وأكد المصدر أن الحقيقة، هي “أن طارق بن زياد حاكم طنجة المغربي، وإيلان أو يوليان المغربي، اتفقا على دخول إسبانيا للانتقام من لوزريق القوطي”، مبرزاً أن المسلسل قام بتشويه العمران المغربي العريق، حيث احتوى على مشاهد “تقدم عمارة بيزنطية مشرقية على أنها مغربية، والتأكيد على أن العمارة المغربية بسيطة وفقيرة وهذا يشوه الواقع”.
ونبه إلى أن “المعرب دائما متميز بعمارته”، و”الزخرفة والعمارة المغربية متميزة منذ آلاف السنين بشهادة مؤرخين رومان وإفريق وهي ممتدة عبر العصور ليومنا هذا”، كما أن المسلسل قدم المغاربة، بلباس عبارة عن “أسمال بالية وتفتقر للمسة المغربية”، فيما الواقع منافٍ لذلك، حيث إن “المغاربة معروفون بالأناقة واللباس الحسن، والقفاطين الزركشة التي كان يلبسها حتى الرجال، إضافة للبرنص الأمازيغي”.