من الألغاز المحية التي أعيت الأمن ولم يجد لها تفسيرا، قضية سليمة سعيد التي اختفت دون أن تترك أثرا، وظل السؤال المؤرق لأسرتها ولأمن أكادير: هل قتلت ودفنت جثتها في مكان ما؟ هل اختطفت من طرف عصابة الاتجار في الأعضاء البشرية؟ أم من طرف الباحثين عن الكنوز؟ أم من أجل تسخيرها في التسول؟؟ أسئلة ظلت غامضة إلى يومنا هذا، بعد مرور حوالي 9 سنوات.
سليمة سعيد…ذات الأربع سنوات في حينها، بشعرها الأشعت وعينيها الكبيرتين السوداوين، كانت تملأ المنزل بحركيتها ودعاباتها مع شقيقاتها الثلاث وشقيقها، لا تنفك تتنقل بين البيت ومحل النجارة الذي يملكه والدها أسفل المنزل بحي “جا في الله”.
يوم الحادث، 16ماي، تاريخ لن تنساه الأسرة والأم المكلومة، انهمكت سليمة باللعب أمام باب ورشة النجارة التي يملكها والدها، تأخذ بعض القطع الخشبية لمحاولة صنع بيت خشبي أو أشكال من مخيلتها، ومن حين لآخر تلعب مع بعض صديقاتها من بنات الحي، تحت أنظار أبيها سعيد.
بعد أذان صلاة الظهر، صعد الأب إلى المنزل في الطابق العلوي للصلاة وتناول طعام الغداء، تاركا الطفلة تلعب أمام المحل، بعد أن طلب منها عدم التأخر واللحاق به لتناول الطعام.
أدى الأب صلاته وجلس يأكل، في الوقت الذي لاحظت فيه الأم تأخر ابنتها، أرسلت إحدى شقيقاتها لإحضارها، تأخرت هذه الأخيرة وعند عودتها وهي تلهث إلى البيت أخبرت الأم أنها لم تجد الصغيرة، رغم بحثها في أجاء المحل والزقاق.
نهض الأب من أمام المائدة، وأسرع الخطوات نازلا السلالم، بحث في المحل فلربما تكون سليمة مختبئة في ركن منه، لكن لم تكن هناك، خرج إلى الزقاق يسأل أصحاب المحلات المجاورة وبعض الأطفال لكن دون جدوى. بدا للأب أن اختفاء ابنته غريب، فخرج يسأل بعض صديقاتها والجيران ولم يصل لنتيجة، اصفر وجهه وعلم أن القضية جدية وأن ابنته اختفت من الحي.
عاد وهو يلهث إلى البيت، ليجد الأم بدورها تقف وقد تغير وجهها بعد أخ أخبرها زوجها أن الطفلة مختفية. انهارت الأم وبدأت تصرخ وتنتقل من باب لآخر تستفسر بعض الجيران إن كانت الطفلة لديهم أو اصطحبتها إحدى الصديقات إلى بيتها، وخرج بعض الجيران في رحلة بحث مكثفة وتمشيط المنطقة، حيث مساحة كبيرة فارغة عل وعسى تكون الطفلة منهمكة في اللعب مع كلب أو قط أثار انتباهها، لكن دون جدوى.
اتصلت الأم والأب بمعارفهما لكن لم يكن أحد على علم بمصير الطفلة، ليقوم الأب في تلك اللحظة بالاتصال بالأمن وأخبرهم باختفاء ابنته، بعد أن تيقن أن الأمر يتعلق باختطاف، خاصة وأن عملية البحث انتقلت من أطراف المدينة إلى مدينة إنزكان والقليعة، وامتد البحث إلى الآبار المهجورة والوديان المحيكة بالمدينة وقنوات المياه.
لغز محير فعلا، فكل جهود مصالح الأمن باءت بدورها بالفشل في العثور على الطفلة سليمة، وكل ما حصلت عليه شهادة عامل بناء على بعد حوالي مائتي متر من بيت الأسرة ، تفيد رؤيته للطفلة بعد الزوال تسير وحيدة بجوار الشارع.
أصاب اليأس الأم ودخلت حالة من الانهيار والهستيريا، حتى أصبحت تتوهم رؤية دم صغيرتها بكل مكان بالمنزل. وظلت عملية البحث لشهور، وزعت خلالها السلطات الأمنية صورة الطفلة على مراكزها، وانتشرت صورها في وسائل الإعلام لكن دون نتيجة، بقيت فقط ذكريات وصور سليمة التي يعلم الله وحده مصيرها، وبقي أمل الأم والأب العثور على ابنتهم سواء حية أو جثة المهم أن تقوم بدفنها في حالة وفاتها أو قتلها…مضت على الواقعة تسع سنوات ولم يظهر أي أثر لسليمة، بقيت فقط ملابسها ولعبها وصورها التي علقت ببهو البيت وحجراته، وكبر إخوتها وهم يتذكرون ضحكاتها وصوتها وأملهم أن يلتقوا شقيقتهم في يوم من الأيام إذا كانت حية ترزق.