مع مرور أيام رمضان، يزداد انشغال الصائمين باتباع نظام غذائي صحي ومتوازن يساعدهم على تمضية يومهم بأفضل حال دونما شعور بالجوع أو العطش، مثلما يزداد الحرص على الاستفادة من النصائح والإرشادات التي يقدمها المتخصصون في التغذية.
غير أنه أمام السيل الهائل من المعلومات الصحية المتداولة، غثها وسمينها، يجد الكثيرون أنفسهم في حيرة من أمرهم، فبينما يعتمد البعض نظام الوجبات الغذائية الثلاث (إفطار، عشاء، سحور)، يفضل آخرون نظام الوجبتين (إفطار، سحور)، في حين تكتفي فئة ثالثة بوجبة وحيدة في اليوم (الإفطار).
ولكل من هاته الفئات الثلاث دوافعها ومبرراتها لاختيار هذا النظام أو ذاك، أخذا بعين الاعتبار عدة عوامل، ولاسيما كثافة النشاط الذي يمارسه الفرد وطبيعة التزاماته المهنية والعائلية، وسنه وحالته الصحية، ومواعيد نومه وغيرها من العوامل الأخرى. وينشغل الناس أيضا بنوعية العناصر الغذائية المكونة لمائدة إفطارهم الرمضانية، إما تلبية لما يشتهون من مأكولات ومشروبات، أو رغبة في تحقيق استفادة مثلى من الصوم السليم، باعتباره فرصة ثمينة للتخلص من مشكلات صحية عديدة، ونقطة انطلاق متجددة نحو تبني نظام غذائي صحي خلال باقي أشهر السنة.
وفي هذا الصدد، تقول أمينة، ذات الأربعين عاما، إنها كانت تحرص في بداية الشهر الكريم على تناول ثلاث وجبات غذائية، إلى أن تبين لها بعد مرور الأسبوع الأول أن وجبتي الإفطار والسحور كافيتان لضمان مرور الصيام في أفضل الأحوال، مشيرة إلى أنها أضحت أكثر وعيا بضرورة تناول الأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية والابتعاد عن كل ما يضر بالصحة.
أما أحمد، وهو شاب في ربيعه العشرين، فقال إنه يكتفي بوجبة واحدة لا غير، في رمضان، وهي الإفطار، التي يحرص على أن تشتمل على كافة العناصر الغذائية والفيتامينات والمعادن الضرورية التي يحتاجها جسمه من أجل تفادي الإحساس بالتعب والعياء خلال ساعات النهار.
وبالرجوع إلى أهل الاختصاص، تؤكد رئيسة الجمعية المغربية للحمية والتغذية، رحاب شواري، أن قضاء شهر رمضان بصحة جيدة يستلزم اعتماد نمط عيش متكامل يتضمن إلى جانب التغذية الصحية، النوم لساعات كافية وممارسة نشاط بدني، مشددة على أنه “من المهم تحقيق التوازن الطاقي في الجسم، أي أن ما يستهلكه المرء ينبغي أن يعادل ما يحرقه جسده من سعرات حرارية حتى لا يعاني من مشكلات زيادة أو فقدان الوزن في رمضان”.
وأوضحت أن عدد الوجبات الغذائية خلال هذا الشهر يتباين من شخص إلى آخر حسب الطاقة التي يحتاجها كل فرد في يومه، والنشاط الذي يمارسه، مشيرة إلى أنه في المتوسط، نحتاج لوجبتين (الإفطار والسحور)، وبينهما يمكن إضافة لمجة عبارة عن فواكه أو وجبة خفيفة أخرى.
وفي التفاصيل، قالت الأخصائية في الحمية والتغذية العلاجية إنه “يجب تناول التمر مع الماء في بداية وجبة الإفطار لإعداد الجسم لاستقبال مواد غذائية أخرى، ثم نتناول طبق حساء، سواء شوربة خضر أو شوربة +الحريرة+ المغربية شريطة أن تكون محضرة بطريقة صحية (بدقيق كامل بدل الدقيق الأبيض). وبعدها يمكن تناول الطبق الرئيسي الذي يجب أن يحتوي على مصدر بروتينات من أصل حيواني، سواء لحم أو دجاج أو سمك أو بيض، مع خضر كيفما كانت طريقة طهيها ما عدا القلي، وكذا قطعة من الخبز الكامل أو أرز كامل أو أي مصدر آخر للنشويات كالبطاطس مثلا”.
أما وجبة السحور التي أكدت الأخصائية على أهمية تأخيرها قدر المستطاع حتى يمر يوم الصيام بشكل جيد، “فيجب أن تحتوي على مواد غذائية تساعدنا على عدم الشعور بالجوع والعطش والعياء، وأهمها الماء وشوربة شعير أو قمح مثلا (حصة من السكريات المعقدة)، و+سلو+ المعد بطريقة صحية (بدون سكر أو دقيق أبيض) مع كأس من الحليب أو +رايب بلدي+ أو بيض أو غيرها من المواد التي تحتوي على بروتينات. ويمكن أيضا تناول بضع حبات من التمر”.
وتوصي رحاب شواري، وهي أيضا باحثة في علم التغذية، بتجنب الإفراط في تناول العصائر وإن كانت طبيعية، وكذا الشاي والقهوة اللذين يحتويان على مواد منبهة تتسبب في اضطراب مواعيد النوم، ويؤديان إلى فقدان الماء لأنهما يحتويان كذلك على مواد مدرة للبول.
كما نبهت إلى ضرورة عدم الإكثار من تناول عدد من الأطباق المغربية الحاضرة بقوة في الموائد الرمضانية، ومن بينها “الشباكية” التي تعتبر مكوناتها وطريقة طهيها مضرة بالصحة، وقالت بهذا الخصوص “صحيح أنه من الصعب إزالتها تماما من مائدة الإفطار، لكن من المهم التقليل من استهلاكها لكونها تعرقل عملية امتصاص باقي المواد الغذائية وتسبب زيادة الوزن وغيرها من الأضرار على الصحة”.
وبخصوص النشاط البدني الأنسب خلال الشهر الفضيل، أوضحت الأخصائية أنه يمكن التمييز بين فئتين، أولاهما تهم المعتادين على ممارسة الرياضة طيلة السنة، والذين يمكنهم الاستمرار في نشاطهم البدني شريطة القيام به قبل موعد الإفطار بمدة قليلة أو بعده ببضع ساعات. أما فئة الأشخاص غير المعتادين على الرياضة، فيمكنهم القيام بحركات رياضية خفيفة أو المشي قبل الإفطار بقليل أو بعده، لأن ممارسة نشاط رياضي مكثف في رمضان قد تكون له عواقب وخيمة على صحتهم.
وخلصت الأخصائية في الحمية والتغذية العلاجية إلى التأكيد على أن النشاط البدني ضروري في رمضان لأنه يمكننا من الاستفادة من الصيام على نحو أمثل من أجل تخليص الجسم من السموم المتراكمة فيه.