الرياضة Alriada 24

صراع أهل الدعوة والحرب على السلطة

ناجح إبراهيم

قرأت التاريخ طويلاً فى المعتقل.. قرأت فى التاريخ القديم والحديث والمعاصر.. قرأت السيرة مرات.. قرأت معظم مذكرات القادة السياسيين والعسكريين.. وقرأت تاريخ الحروب القديمة والحديثة.. فاستوقفنى فى التاريخ الإسلامى نقطة غامضة عجيبة.. حاولت أن أصرف نظرى عنها دون جدوى.. فكرت فيها كثيراً.. وكلما حاولت أن أكتب فيها أحجم.. تحدثت فيها مرارا مع بعض تلاميذى.

وهذه النقطة التاريخية التى استوقفتنى وأزعجتنى، مفادها أنه كلما تصارع أهل الدعوة والدين مع أهل السياسة والحرب على السلطة والحكم.. انتصر أهل السياسة والحرب.

فقد تصارع الحسن بن على وهو من هو فى التقوى والصلاح والجدارة بالخلافة مع معاوية بن أبى سفيان ولم يكن للأخير حق فى الخلافة مثل الحسن وكان أقل منه فى التقوى والدين.. فانتصر معاوية لأنه كان الأكثر خبرة بالسياسة والدولة والحرب ولأنه رجل دولة فى المقام الأول.

وتصارع عبدالله بن الزبير وهو الصحابى الصوام القوام العابد الزاهد الورع مع عبدالملك بن مروان وقائده الحجاج وكان الحجاج ظلوماً طاغية باغياً فانتصر عبدالملك والحجاج.. لأن عبدالله بن الزبير رغم شجاعته النادرة لم يكن رجل دولة وسياسة وأضاع فرصا نادرة لكسب جند الشام.

وتصارع الحسين بن على ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيد شباب أهل الجنة صاحب الكرم والورع والتقوى والشجاعة والنبل مع يزيد بن أبى سفيان.. وهو أقل منه فى كل هذه الصفات فانتصر يزيد انتصارا حاسما لأنه كان رجل دولة واعتمد كأبيه على جند الشام وهم أكثر انضباطا وطاعة.. أما الحسين فقد اعتمد على مبايعات أهل العراق له رغم تحذير كل الصحابة (رضى الله عنهم) من أهل العراق وبيعتهم الخادعة.. وقالوا له: «إنهم خدعوا أباك وأخاك ولم ينصروهما.. فلن ينصروك».. ولكنه لم يستجب لأنه كان رجل صلاح ودعوة ونبل وكرم وشجاعة وليس رجل دولة.. وكان ممن حذره صحابة عظام يعرفون طبائع البلاد ويحسنون استشراف المستقبل ولهم حس سياسى كبير.. إلا أنهم آثروا البعد عن السياسة والصراعات السياسية ومنهم عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وأنس وأبوهريرة وبعض هؤلاء قال للحسين لما رفض نصيحته وخرج إلى العراق «أستودعك الله من شهيد»

وقد هزتنى قديماً الحجة البارعة التى ذكرها الصحابى العظيم عبدالله بن عمر للحسين «إن الله لن يجمع لكم آل بيت رسول الله النبوة والخلافة».. وكأنه يقول له: «إن النبوة أعظم من الخلافة.. وإن الدعوة أعظم من السلطة.. وإن هداية الخلائق أبقى من كراسى الحكم».

وكل هذا التاريخ لم يستوقفنى بقدر ما هزتنى طويلا كلمة ابن عمر صاحب العبقرية المتوهجة.

ولا أدرى هل مازال التاريخ يكرر نفسه حتى الآن أم ماذا؟.. فكلما وصل أهل الدعوة والدين إلى السلطة أزيحوا عنها قهرا وقسرا.. وكلما اقتربوا من الوصول إليها بعدت عنهم أكثر.. لقد حارب العلويون أهل الدين والدعوة ملوك الأمويين قرابة مائة عام على الحكم.. فقتل معظمهم وأسر بعضهم ونكل بهم دون جدوى.

لقد تفكرت فى هذا الأمر منذ قرابة 15 سنة.. وها آنذا أعيد التفكير فيه مرات ومرات.. فهل حقا يعيد الزمان نفسه.. يبدو أنه يفعل ذلك مرات ومرات.

Exit mobile version